الحلقة الثانية
مر عدة ساعات فقط على مغادرة محمود وقد حزمت سهام أمرها بأن تحقق لولدها الوحيد غايته وتسعده لتشعر هى بالسعادة لذلك، لن يكون محمود أو غيره عقبة في طريقها لإسعاد سمير، سوف تتكتم الأمر وتدبر له جيداً ليتم بأقصى سرعة وحين تنتهى ويعجز الجميع عن إفساد مخططها حينها سوف تخبرهم وحينها ستمنح صغيرها السعادة .
بدأت بالبحث عن اسم الفتاة أولا واستعانت بمحاميها الذي طالما كان نعم العون لها مادامت تدفع له ما يطلبه بلا مناقشة ينفذ هو ما تطلبه دون مناقشة أيضاً، علاقة عملية مريحة ومربحة بالنسبة لها .
أنهت الإتصال به أمام أعين سمير التى اتسعت سعادة ليصفق لها بحماس متسائلا
_ هتجيبى لى العروسة؟
رفعت سبابتها محذرة
_ بس تسمع كل الكلام اللي اقولك عليه وإلا العروسة هتزعل ومش هترضا تيجى
هز رأسه بطفولة وهو يعيد بعض الكلمات بسرعة مؤكداً اتباعه كل التعليمات كما اعتادت منه طيلة حياته
_ لا تسمع كل الكلام كله كله
ربتت فوق وجنته بحنان ليتكوم على نفسه ويتوسد فخذها، هى تعلم أنه مجهد اليوم فمنذ استيقظ صباحاً لم يحصل على قيلولة عكس عادته وقضى الكثير من الوقت فى توتر تدرك كم يرهقه حتى غادر محمود
بدأت أناملها تدلك شعيراته الناعمة وهى تتفحص ملامحه الساكنة، ليت كل الناس بهذه البراءة التى عليها ابنها !!
ماذا جنت من أصحاب العقول غير الإهمال والمطامع؟
زوجها الذى يراه الجميع نموذجاً للنجاح أهمل أنوثتها حتى كادت أن تذبل واهمل مشاعرها حتى جفت ينابيعها . زوج ابنتها الشاب الطموح المستقيم!!
تهكمت ملامحها وهى تتذكر المعلومات التى وصلتها عنه وعن اطماعه بالزواج من ابنتها ابنة الرجل الذي سيؤمن له حياة مرفهة لتكن هى لتلك المطامع بالمرصاد فلم تترك شيئا للظروف بمساعدة محاميها وكل ما حصل عليه حسن سجل عليه وحتى شقة الزوجية لم تكتبها باسم ابنتها خوفا من سيطرته عليها لتتنازل له عنها، كل الأوراق التى يمكنه أن يستفيد منها بإسمها هى وبالطبع لا يعلم زوجها شيئا عن كل هذا هو يكتفى بجمع المال فقط أما هي فتحمى كل ما يخصها بقوة دون أن تهمل سعادة سمر وسمير.
عادت عينيها لملامح سمير الذى استسلم للنوم سريعا كعادته فهى تراه أحق بالسعادة من أولئك الذين يطلقون على أنفسهم أصحاب العقول.
فى المساء هاتفها محاميها ليقدم لها كل المعلومات التى تحتاج عن الفتاة التى أرادها سمير لتكن تلك خطوتها الأولى على طريق سعادة صغيرها.
فى اليوم التالى وبعد تناول وجبة الغداء التى لا يشاركها فيها سوى سمير أعدت الخادمة لها كوب من الشاى لتحمله لغرفة صغيرها
_ سمير حبيبي انت هتقعد هنا في الأوضة وانا هقفل الباب واروح مشوار
_ ماشى
تعلم أنه لا يعترض على البقاء وحده فهو يعلم أنها لا تغادر إلا إن اضطرت لذلك لذا كانت إجابته مختصرة وسريعة
_ جيبى لى حاجة حلوة
_ حاضر يا حبيبي هشرب الشاى واروح علطول
بعد قليل غادرت متوجهة إلى منزل الفتاة في زيادة عمدت لكونها مفاجئة .
وصلت للمنزل لتشعر بالارتياح فما دام مستوى العائلة لازال بهذا التدنى يمكنها أن تحصل على ما تريد ببعض الحيلة، منذ فترة طويلة لم تتواصل معهم وحين دعتهم لزفاف سمر ارسلت الدعوى بريديا دون اهتمام حقيقى بحضورهم من عدمه.
رفعت رأسها تستطلع فضول المحيطين بها لترى أنها بالفعل محط أنظار الجميع وسيارتها التى بالكاد يمر بجوارها شخص واحد تبهر أعين أهل الحى أجمع. حملت ما اشترته من حلوى فاخرة وتوجهت للدرج المتهالك لتصعد ببطء خشية فقدان توازنها لفساد أغلب الدرجات.
وصلت للباب لتطرقه بهدوء وسرعان ما فتحه لها رب المنزل لينظر لها بدهشة
_ افندم اى خدمة؟
_ انت مش عارفنى يا استاذ رياض انا سهام صاحبة درية
رافقت كلماتها ضحكة تنم عن سعادة حقيقة لعدم تعرفه عليها فهذا يثبت لها الفارق بينها وبينهم
_ أهلا وسهلا يا مدام ايوه كنا في فرح بنتك قريب، معلش انا نظرى على قدى، اتفضلى
تنحى جانباً لتمر برقة مفرطة فيشير لها نحو غرفة المعيشة فتتوجه لها وتجلس رغم شعورها بأن المكان غير ملائم ، غاب لحظات ثم عاد برفقة زوجته التى بمجرد النظر إليها وإلى عباءتها المنزلية الرثة شعرت بالتوعك لكنها أرغمت نفسها على الابتسام
_ ازيك يا درية؟
_ اهلا يا سهام، يادى النور، اخيرا افتكرتى أصحاب زمان؟
ضمتها درية بود حاولت مبادلته مع تشنج بدنها رفضا
_ معلش يا درية انت عارفة الدنيا مشاغل والولاد واخدين كل وقتي
_ وسمر اتجوزت اهيه ربنا يهنيها عقبال ما تفرحى بسمير، هو فين دلوقتي؟
سعدت بتساؤل درية لترفع ساقا فوق الأخرى وتجلس بشموخ مبالغ فيه وتبدأ سرد اكاذيبها
_ بعد ما اخد بكالوريوس التجارة سافر دبى بيشتغل هناك
_ مع والده؟
_ لا محمود فى الكويت
_ ما شاء الله ربنا يفرحك بيه يارب
_ ما هو انا جاية مخصوص عشان الموضوع ده
انتبهت حواس رياض وتهلل وجه درية التى أصرت على حضور زفاف سمر للفوز بعريس مناسب لابنتها التى منذ أنهت دراستها الجامعية لم يتقدم لها شخص مناسب ولم تتمكن من الحصول على عمل مناسب أيضا لترضخ لظروف الحياة وتعمل بإحدى المحلات التجارية فهم بحاجة للمال وهذا هو المتاح فقط لذا استحثت الكلمات من رفيقة الماضى وهى تحاول التحكم في لهفتها
_ خير يا سهام وضحى كلامك مش فاهمة!
_ يوم الفرح سمير ابنى عجبته بنتك عبير وكان نفسه يجى يزوركم قبل ما يسافر بس الوقت كان ضيق اوى
زاد تهلل الأوجه وهى تمنحهما ما يتمنيان بتفضل
_ وطبعا مش هلاقى لسمير احسن من بنتك ولا هنناسب احسن من حضرتك يا استاذ رياض
_ ده يوم المنى يا سهام، هو انا الاقى لعبير حما حلوة زيك كده
ابتسمت سهام بتكلف فهى تريد كسب المودة والقبول خلال هذه الزيارة
_ فين الشاى يا ام عبير؟
جاء سؤال رياض في وقت تراه درية غير مناسب بينما فهمت سهام أنه يريد التفاوض على مكاسبه الخاصة
_ معلش فرحتى بزيارة سهام نستنى الواجب ثوانى يا حبيبتي اعملك شاى
غابت عن عينيها لتنظر نحو رياض في انتظار عرض مطامعه ولم يطل انتظارها
_ إحنا يشرفنا نسبكم يا مدام سهام، بس سمير لازم يعوض عبير عن حكاية سفره دى انت عارفة البنات بتبقى عاوزة تفرح
فتحت حقيبتها بلا تفكير وأخرجت رزمة من المال
_ طبعا يا أستاذ رياض كل طلبات عبير من عنينا والمبلغ الصغير ده سمير باعته لعروسته تجيب لنفسها حاجة حلوة تفرحها بدل زيارته اللى اتأخرت
التقط منها المال ليسرع بدسه فى جيبه وهو يتلفت حوله ليتأكد أنه على بعد من مرأى الجميع فيبدو أن زيجة ابنته ستعوضه الكثير مما نزعته منه الحياة
_ حيث كده نتكلم في التفاصيل
_ سمير عنده شقة تمليك في العمارة اللى انا فيها تقدروا تيجوا تشوفوها ، الشقة مفروشة وجاهزة يعنى مش محتاجين جهاز من العروسة وبالنسبة لاحتياجاتها الشخصية كل زيادة هجيب لها شوية هدايا وسمير هيبعت لها مصروف كويس غير بدل الزيارات زى اللى بعته النهاردة.
أقبلت درية وهى داخلها تأسف لكونها تركت سهام مع زوجها الذى تعلم كم هو شره للمال وربما يبالغ في مطالبه فتخسر ابنتها هذه الفرصة التي لن تعوض لكنه أقصى مخاوفها فور ظهورها
_ شاى إيه هاتى شربات يا درية وسمعينا زغرودة
تهلل وجه درية فهذا يعنى أن سهام لا تهتم سوى بابنتها وأن الماديات وظروفهم المتعثرة لن تقف حائلا أمام سعادة ابنتها المرتقبة مع سمير .
عادت سهام تعرض إمكانيات سمير على مسامع درية التى ظهرت سعادتها فى زغرودة أعلنت بها عن الخبر السعيد المرتقب لتبدأ سهام عرض شروطها بعد أن تأكدت أنهما ابتلعا الطعم وأن سمير سيحصل على ما يريد
_ هو للاسف سمير اضطر يرجع شغله وهيبقى صعب ينزل تانى قبل شهرين بس إحنا ممكن نجيب الشبكة ونكتب الكتاب بتوكيل وهو ينزل على الفرح
بهتت ملامح درية قليلا بينما رحب رياض
_ اه وماله مادام هو راضى واحنا راضين خلاص ليه يسيب شغله ويتعطل ويخسر كمان مايرضيش حد طبعاً
ظهرت توجسات درية وهى تتساءل
_ بس مش لازم يتكلموا مع بعض ويشوفوا بعض!
أجابت سهام بترحيب بالغت في إظهاره
_ اه طبعا يتكلموا على النت هى مش عبير معاها موبايل تاتش؟
بدى الحرج فى صوت درية وعينيها التى تتخبط بعيدا عن أعين سهام الواثقة
_ لا والله يا سهام انت شايفة الظروف
_ ولا يهمك بكرة وانا جاية اجيب لها ايفون ويبقوا يتكلموا زى ما هى تحب ما هم لازم يتعرفوا على بعض طبعا ده حقها
_ يبقى على خيرة الله نقرأ الفاتحة
لم يفكر الأب أو الأم في سؤال الفتاة وهذا بالنسبة لسهام جيد جدا فهو يعنى أن الفتاة مهمشة بما فيه الكفاية لتحصل عليها بيسر وبلا مشقة .
استأذنت بعد قليل حين أخبرتها درية أن عبير تعود من عملها في السادسة على أن تزورهم فى اليوم التالى فى السابعة حيث يمكنها أن ترى عبير .
فى طريق العودة اشترت الحلوى المفضلة لسمير واشترت له بعض الألعاب أيضا وهاتف سوف تهديه لعبير في اليوم التالي.
دخلت شقتها واتجهت لغرفة سمير، استخدمت المفتاح الذى لا يفارق حقيبتها لتدخل غرفته وكان يجلس أرضا يشاهد التلفاز بهدوء اعتاده مع حياته الرتيبة التى تتحكم فيا أمه والتى تحدثت بحماس
_ سمير شوف جبت لك إيه!
حصلت على انتباهه كالعادة وهى تقدم له الحلوى لتتسع ابتسامته
_ اقعد بقا علشان افهمك حاجة مهمة
عاد لموضعه يتناول حلواه بشراهة بينما جلست بالقرب منه
_ من بكرة هتبدأ تكلم عبير فى التليفون
_ عبير!!
تساءل بعدم فهم لتوضح له بهدوء
_ العروسة بتاعتك
تهلل وجهه مع فمه المفتوح ليسقط بعض الطعام فتستخدم محرمة ورقية وتنظف وجهه برفق
_ بس هتقولها انك في دبى لحد ما تبقى بتاعتك
اعترض بحدة تنبع من اعتياده تحقيق كل مطالبه
_ هى بتاعتى اصلا
_ أنا عارفة بس علشان تبقى بتاعتك لازم نكتب لها كتاب زى ما عملنا لسمر
_ مأذون ؟؟
_ برافو عليك، لما تسألك هتيجى امته قولها على فرحنا هتقولها إيه؟
_ على فرحنا
_ شاطر وانت بتكلمها كمان ماتضحكش ولا تصقف
_ اقولها أنها حلوة؟
_ قولها عادى بس تاخد بالك من الكلام اوعى تقولها انك هنا
_ لا فى دبى هناك انا روحت هناك
_ شاطر يا حبيبي وطول ما انت بتسمع كلام ماما هجيب لك العروسة بسرعة اوى
انتقل فورا ليجلس فوق ساقى أمه رغم أنه يفوقها حجما لكنها لا ترى بأسا فى هذا ولا ترفض تدليله كطفل فهو بالفعل طفلها الوحيد الغالى.
……………………..
فى المساء عادت عبير للمنزل منهكة كليا من العمل ومن تحكمات صاحبه التى لا تنتهى ، دخلت وكان المنزل على غير عادته أبيها مسترخ تماماً لا يصرخ ولا يسب وأمها أيضاً تجلس بالقرب منه ويضحكان فى صورة لم ترها عبير منذ سنوات طويلة.
_ حمد الله على السلامة يا عروسة
_ عروسة!!
عبرت عن دهشتها بينما تابع أبيها معلنا عن حظها السعيد وحظهم الأسعد
_ أما انت طلعتى محظوظة بصحيح وجالك عريس النهاردة إنما ايه لقطة
تباهت درية بأنها صاحبة الفضل في المصادفة التى ساقت لها هذا العريس
_ شوفتى بقا لما سمعتى كلامى ! كنت رايحة فرح سمر زعلانة اهو جالك عريس من الفرح
جلست عبير دون أن يظهر عليها الحماس للخبر السعيد وهى تتساءل مستنكرة سعادتهما
_ وده يبقى مين؟ وبعدين يا ماما انا قولت لك بلاش حكاية الجواز دى إحنا مش حمل جهاز
_ لا ده ولا عاوز جهاز ولا غيره، مش بقولك لقطة
نظرت إلى أبيها الذى تعرفه جيدا وتعرف أنه لن يكون بهذا الرضا سوى بثمن غال للغاية ، ضاق صدرها وشعرت أن هذه الزيجة وراءها سر غير معلن وهذا السر ستدفع هى ثمنه وسيكون أبيها أول المستفيدين منه.
_ سمير اخو العروسة أمه جت طلبتك النهاردة
_ أمه؟؟
_ أصله بيشتغل في دبى مش بقولك لقطة
عاد الضيق يزحف على صدرها وأبيها يتابع
_ جهزى نفسك بكرة الساعة سبعة سهام جاية تشوفك
_ بس احنا قرأنا الفاتحة واتفقنا خلاص يعنى الواد بقا من نصيبك عاوزك تسمعى كلام أمه
لقد تم الإتفاق أيضاً على التفاصيل وانتهى الأمر، رأيها لن يمثل فارقا فى الموضوع، لتنتظر حتى الغد ربما كان هذا الزواج خلاصها وربما كان نهايتها.
لا تملك سوى الانتظار.